أخبار المؤسسة

شهادة زائر، هكذا تعلمنا منهم حب كتاب الله

12 نوفمبر 2019


لا يسعني سوى أن احمد الله تعالى الذي أنعم علي بزيارة الأقلية المسلمة في النيبال والهند مع مؤسسة القرآن من أجل الروح.

لطالما تساءلت عن جدوى تكبد عناء السفر من أجل توزيع المصاحف الشريفة، مع إمكانية إرسالها وتكليف غيرنا للقيام بذلك بدلا عنا. 

إلا أنه ومن أول رحلة لي مع مؤسسة القرآن من أجل الروح بالهند في يوليو 2018م ثم بنيبال في يوليو 2019م وبعد الالتقاء بالأقليات المسلمة هناك، أدركت أهمية التواصل المباشر وأهمية توزيع القرآن الكريم. إن في ذلك، وببساطة شدّا على أيدي المسلمين الذين يعيشون ظروفا صعبة وتثبيتا كبيرا لهم وإحياء لحب كلام الله في قلوبنا وتبليغا لرسالة مهمة لهم بأنهم ليسوا وحدهم وأنهم جزء لا يتجزأ من الأمة ومن العالم الإسلامي الكبير، وأن قلوبنا وأرواحنا مجتمعة معهم على حب كتاب الله الذي يوحدنا.

في رحلتي لنيبال والهند مع فريق العمل، استفدت من عبر ودروس لعل أهمها رؤية أناس شغوفين بحب كتاب الله وحب اللغة العربية، ذوي أرواح صافية وجوارح خاضعة لذكر الله عز وجل. لا ترى لدى هؤلاء المؤمنين والمؤمنات أثرا من كبر وترى عظيم الاحترام لكتاب الله في عيونهم وأيديهم وهي تمتد إليه بوقار، ترى في المصحف الكريم عظمة الوحي ومكانته في قلوبهم. لا أبالغ إن قلت أنهم علموني الكثير من الدروس والعبر: علموني أنهم نجحوا في ترويض أنفسهم وأروني الطريق بحشمة وسكون. رأيت المجاهدة للنفس في سلوكهم ولطفهم واستشرفت انتصاراتهم عليها بلا ضجيج ولا خطب ولا حتى كلام.

لقد رأينا أطفالا، رغم عوزهم المادي، يقبلون القرآن الكريم الموزع عليهم بعيون فرحة دامعة. غبنا عنهم ساعتين ورجعنا، فوجدناهم لا يزالون يحضنون المصحف الشريف بفرح شديد وعيونهم دامعة. وقد فهمنا سبب ذلك لما رأينا مكتبة المدرسة التي تحوي فقط على بضع المصاحف الممزقة والمشدودة والمقسمة لأجزاء عدة حتى يتسنى توزيعها على أكبر عدد من الطلبة والحفظة. تبادر حينها إلى ذهني كم من المصاحف تحويها مكتبات بيوتنا مع نسياننا لكتاب الله وإهمال قراءته وحفظه. 

لعل مما استوقفني حب المسلمين الذين زرناهم للغة العربية. إنهم يحبون العرب بمجرد كونهم يتكلمون لغة القرآن الكريم. يشعر أحدنا بينهم بالخجل وقد أضحى أهل الضاد أبعد عن القرآن من هؤلاء الأقوام من المسلمين غير العرب، ورغم أننا نذكرهم بأن لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى فإنهم يصرون على زيادة الحفاوة بنا توقيرا للغة القران الكريم. علما أن أغلب الأئمة والمسؤولين بالمراكز الإسلامية الذين التقيناهم يتكلمون اللغة العربية بمستوى عال. في البداية كان البعض يظن أن مؤسسة القرآن من أجل الروح هي مؤسسة حكومية وأننا جئنا لكي نلتقط معهم الصور، ولكنهم لما عرفوا بأننا نعتمد على تبرعات عامة المسلمين، كان تقديرهم للجهد كبيرا وفرحهم به أكثر. وأذكر في كاثماندو في نيبال أن الداعية الأخت جميلة، وهي تتكلم اللغة العربية كزوجها الذي تعلمها في بلدان دول الخليج، أنها اشتكت من معضلة غياب ترجمة معتمدة للقران الكريم باللغة النيبالية، وهو نفس الهمّ الذي حمله لنا المسلمون بالهند حيث لا تتوفر ترجمات كافية باللغة الهندية. وهذه المشكلة تمس خاصة المسلمين والمسلمات الجدد الذين لا يتكلمون الأردية والعربية، وتقتصر علاقتهم بالقرآن الكريم على الترجمات المتاحة، وهي شحيحة وغير مكتملة. ولهذا السبب بالذات كان اهتمامهم بمشروع القرآن من أجل الروح كبيرا وأمانيهم التي تعلقت به أكبر. لقد كانت رحلة مميزة بحق، تعلمنا فيها الكثير، ورأينا فيها مقدار حب الناس لله ولكتابه.